«الأفلاج» واحدة من ابتكارات أبدعها الإماراتي والخليجي قديماً، بدافع ري الأشجار والمزروعات بطريقة هندسية مثيرة، تعتمد على شق مسارات مستقيمة ومتعرجة ومتشعبة في أرض البساتين، كي يضمن المزارع وصول المياه إلى النباتات في كيانه الأخضر الممتد. من الواحات والمناطق التي اشتهرت أفلاجها في الماضي، واحة العين والمنطقة الوسطى والمناطق الساحلية الأخرى المكسوة بالشريط الزراعي الأخضر، وفي اتجاه آخر، فقد استثمر الآباء والأجداد المياه الكبريتية المنسابة من العيون الحارة، مثل: عين خت في رأس الخيمة، وعين مضب في الفجيرة، مستغلين هذه الثروة المائية عبر تقنينها من خلال الأفلاج، باعتبارها مهمة في عملية التداوي من أمراض الروماتيزم والجلدية وغيرها.

المياه الجوفية هي المصدر الأول لمياه الأفلاج، وعادة ما تجتمع المياه في حوض يعتبر الموزع الرئيسي لنقل المياه إلى الفلج، وعندما يمتلئ الحوض بالماء تنساب المياه في الخنادق المحفورة «الأفلاج» على مسار منحدر نسبياً لضمان الحركة بسلاسة، وعلى جانبي الفلج يصنع المزارع فتحات تتفرع منها المياه يمكن إغلاقها حسب رغبته، مع مراعاة ترك مسافة كافية بين مخرج وآخر، كي يسهل تنظيف المسار من الشوائب، وللمحافظة في الوقت نفسه على سرعة المياه وجريانها، إذ يصل طول بعض الأفلاج إلى نحو سبعة كيلومترات أو أكثر، حسب المخزون المائي الذي تزخر به الأرض.

استخراج المياه

استخراج المياه، أولى الخطوات في إيجاد الأفلاج، وهي عملية تحتاج إلى أيادٍ ماهرة، وعقول تدرك وجود الماء في مكان دون آخر، ناهيك عن التخطيط المسبق لشق الفلج باتجاه عكسي من نهاية الأرض وحتى منبع الماء. وكذلك أبدع سكان الإمارات في الماضي، في تشييدهم أنفاقاً مائية غير ظاهرة للعيان، تتدفق من خلالها المياه بهدوء، ويمكن المرور فوقها، وهذه الميزة أتاحت الفرصة للمزارع كي ينقل ما يريد من مكان إلى آخر بواسطة عربة صغيرة، لذلك ظلت سهولة الحركة مكفولة رغم انتشار الأفلاج داخل المزرعة.

ما قبل الميلاد

دراسات وبحوث تاريخية مختلفة، أشارت إلى أن تاريخ صنع الأفلاج يعود إلى ما قبل الميلاد، وبعض الآثار المكتشفة أزاحت الستار عن تاريخ الأفلاج في الإمارات وبعض الدول الخليجية، وعن أهم المواقع المشهورة في دولة الإمارات مثل منطقة هيلي بمدينة العين. وتشتمل الأفلاج على أنواع متعددة التسميات، ومنها «العيني» و«الداوودي»، وثمة نوع آخر يطلق عليه «الغيلي» الذي يستمد حاجته من المياه من السيول والأودية التي تجري على سطح الأرض على عكس الأنواع الأخرى المتعارف عليها التي تعتمد كلياً على مخزون المياه الجوفية.

أعمال صيانة

في السابق كان بعض الأفلاج يتعرض إلى تكدس الرمال وانقطاع المياه. وثمة طقوس متعارف عليها ظلت دارجة في مدينة العين، ومنها ما يعتمد على تجمع أهالي القرية أو المنطقة، وتكاتفهم معاً لرصد موقع تكدس الرمال الذي عادة ما يكون عند منبع المياه، وتستغرق العملية بضعة أيام متواصلة العمل صباحاً ومساءً. ويساعد الأهالي في نجاح وإتمام العملية، أحد ذوي الخبرة الذي يطلق عليه «عريف الفلج»، وهو الشخص المتكفل بتوزيع مياه الفلج.